مركز سلالات دولة الإمارات من اجتهادات الجهات الزراعية إلى عمل واقعي استراتيجي


strains_center

م.سعيد خليفة الشعالي

مدير إدارة الثروة الحيوانية سابقاً (وزارة الزراعة والثروة السمكية)

في هذا المقال سأتحدث فقط عن الأغنام، حيث تمثل بأعدادها السائدة الصورة الكبيرة للقطيع المحلي؛ وبالتالي فإنه يمكن للقارئ إسقاط نفس المثال على الأنواع الحيوانية الأخرى والمتمثلة في الإبل والبقر والدجاج المحلي؛ كما ننصح بإضافة النحل المحلي من ضمن هذه المنظومة.

يجيب هذا المقال عن سؤالين هامين؛ «كيف تدار السلالات بدولة الإمارات؟» و«ما هو الأسلوب الأمثل لإدارة السلالات وفقاً للتجارب العالمية والمنطق الاستراتيجي؟»، يهدف هذا المقترح إلى إيضاح المعالم الأساسية لمركز سلالات دولة الإمارات أو أي مركز ترغب أية دولة بتأسيسه على غرار هذه الفكرة، هذا المقترح يوضح أساساً«الإطار العام» الذي يمكن أن يقتدى به لتأسيس هذا المشروع وليس بالضرورة أن يكون دقيقاً في بعض تفاصيله؛ فالظروف والعوامل تختلف بمرور الوقت أو لاختلاف الأقاليم.

بداية تدعو المنظمات العالمية الدول إلى الاعتماد على مواردها (سلالاتها) المحلية وليس الأجنبية، و يقوم الدور الأساسي لمركز السلالات على كل من «الحفاظ على السلالات المحلية» و«تحسين السلالات المحلية»، بالإضافة إلى الدور التثقيفي والإرشادي، حيث قدمت المنظمة العربية للتنمية الزراعية دراسة هامة عن الماعز في الوطن العربي (1993م) ترمي إلى تحقيق النهوض بالثروة الحيوانية، حيث أوضحت وجود مشكلة الفجوة الإرشادية بين الجهات الأكاديمية والمربين، مما أضعف تطوير السلالة، فأصبحت الأبحاث العلمية غير مقابلة لحاجة الميدان الفعلية.

وتذكر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدةFAO))بأن السلالات المحلية هي الوحيدة القادرة على التكيف والإنتاج المثالي تحت ظروفها المحليةلتكيفها عبر القرون مع بيئتها من الناحية الوراثية، وبالتالي فإنها الأكثر فعالية في تحقيق الأهداف المحلية للأمن الغذائي، أما في الدولة فتتوفر مراكز للسلالات في كل من جامعة الإمارات وجهاز الرقابة الغذائية؛ كما توجد أشباه للمراكز (مزارع التربية الخاصة) في كافة أرجاء الدولة.

ولكن لماذا الدولة بحاجة لمركز السلالات؟يغفل الكثير منا عن حقيقة هامة وهي أنه ليست فقط الحيوانات البرية مهددة بالانقراض؛ بل إن السلالات الإنتاجية المستأنسة معرضة لنفس المشكلة، إذ ينقرض في العالم بمعدل سلالتين مزرعية لكل أسبوع، وهناك 1350سلالة مهددة بالانقراض، وأما على صعيد الدولة فإنه لا يوجد لدينا أي نمط متكامل يمثل مركزاً للسلالات ويقوم بالدور النموذجي المجمع عليه في هذا الفن؛ فالمراكز بدولة الإمارات تقوم على توجهات الشخص الفني (أو الأشخاص الفنيين)،حيث يقوم هذا المدير الفني بإسقاط أفكاره الخاصة وبافتراضات ضيقة يرى ويتأمل أنها ستؤدي الغرض المطلوب ولكنها ليست كذلك!ومع انشغال بعض المؤسسات الزراعية بترقيم الحيوانات (وهو عنصر هام لإدارة الثروة الحيوانية) إلا أن ما فوق ذلك من بعد استراتيجي واستشرافي يعد غائباً، حيث تتمثل المشكلة العامة في ما يخص إدارة السلالات بالدولة في فقدان العناصر الأساسية لهذا المجال والأهم«عدم وجود مركز للسلالات المزرعية لدولة الإمارات؛ يتصف بالتأسيس والتوجهات الاستراتيجية الصحيحة، بالإضافة إلى عدم وجود كادر مواطن متخصص يمكنه إدارة هذه العملية بشكل مستدام»، والسؤال المطروح: ما هي الأولوية الاستراتيجية للمركز؟ وبالتالي ما هي مكونات إدارة المركز (التي بنيت على هذه الأولوية)؟ المنزلق السائد هو التركيز على العمليات الأساسية للمركز (الفنية – المرتبطة بتحسين أو الحفاظ على السلالات)؛ حيث يتجه الكثير من الفنيين إلى نظرة ضيقة وهي «تطوير عمليات المركز» وليس تطوير عمليات المركز توافقياً مع احتياجات المحيط الخارجي (الأمن الغذائي والمربين)، وبإيجاز نحن بحاجة لجانبين أساسيين في مفهوم إدارة مركز سلالات متميز وهماأولاً «بناء تحليل استراتيجي لواقع السلالات بالدولة»،ثانياً«الاستعانة بالخطوط والتجارب العالمية لموضوع تطوير السلالات»،ومن هنا يعكف الفنيون دائماًعلى تحقيق سريان الشؤون التنفيذية الفنية، ولكنهم لا ينظرون إلى الأمر بشمولية إدارية واستراتيجية، هذه الظاهرة وهي «التخبط في إدارة مراكز السلالات» راجعة إلى الأمور الآتية:

  • النقص الكبير في معارف إدارة السلالات المحلية.
  • الركون الكلي على غير المواطنين في تحديد مصير السلالات.
  • عدم وجود أبحاث ودراسات علمية واستراتيجية لواقع السلالات وطرق إدارتها بالدولة (فقد كبير في المعارف بالسلالات وفقاً لظروف دولة الإمارات).
  • غياب المبادرات المشتركة ما بين المؤسسات الحكومية، وكذلك الحكومية والمزارع الخاصة ذات الإمكانيات الكبيرة جداً.

الى جانب ظاهرة خطيرة جدا، وهي الاستعانة بالسلالات الأجنبية وتجاهل السلالات المحلية، وقد قمت ببناء ملف متكامل يشرح موضوع «إدارة مركز سلالات دولة الإمارات» يمكنكم تنزيله من خلال موقع abadiafarm.com حيث حوى هذا المقترح الأسلوب الأمثل لإدارة المركز؛ كما أضاف بدائل ومقترحات متنوعة لإدارة المركز، بالإضافة إلى المردود الكبير على كل من القطعان المحلية والمردود المادي للمركز، كما وضع منظومة وخارطة مؤشرات ذكية لقياس سير استراتيجية المركز؛ وتمثلت هذه التفاصيل في شرح الأثر على الناتج المحلي، وأفاد بإمكانية تحسين القطعان في الدولة بنسبة 30%، وهذا سيؤدي إلى رفع الإنتاج من 187 إلى 374 ألف رأس سنوياً، وبافتراض قيمة الرأس 500 درهم، فإن الدخل المحلي للقطعان سيساوي (93) مليون درهم وإذا حسن القطيع المحلي بنسبة 100 % فإن الدخل سيساوي (311) مليون درهم، وإذا ما قورن بتكاليف المركز التشغيلية خلال 15 سنة، وهي 22.5مليون درهم فإنه لا يعد شيئاً يذكر (راجع الملف الكلي).

ولعلّي أوجز توصيات الموضوع؛ في التالي أدناه:

  • تحديد أهداف قائمة على تحليل استراتيجي، وتحديد مؤشرات لقياس استراتيجية وعمليات المركز، وتحديد برامج ومبادرات محدودة ومركزة؛ ضماناً لتحقيق هذه الأهداف.
  • تحديد طرق بسيطة وقليلة الكلفة (كفؤة) لقياس نتائج المؤشرات.
  • تخصيص عائد مادي للمركز وعدم بنائه على النمط الحكومي التقليدي.
  • أهمية الرجوع للمنظمات العالمية وتجارب الدول المتقدمة، خاصة ذات الأقاليم الحارة (أستراليا، بعض مناطق الولايات المتحدة – أريزونا، جنوب أفريقيا، وأيضا صحارى الهند).
  • ضرورة أن يدار المركز بكادر مواطن متخصص، واستثمار البنية التحتية الحالية،كما ننبه على ضرورة تجنب التطبيق المجرد من الاتجاه الاستراتيجي.
  • تبني رؤية واضحة ونقترح أن تكون حسب الآتي: سلالات محلية محسنة تساهم في تحقيق الأمن الغذائي لمرحلة ما بعد النفط (لا تعتبر هذه الرؤية هي الرؤية النهائية، ولكنها تمثل صورة وتموضع واضح لدور المركز)؛ ويمكن طرح رؤية رقمية أخرى وهي سلالات محلية محسنة تساهم بنسبة 50 % في تحقيق الأمن الغذائي لمرحلة ما قبل النفط (بعد 10 سنوات) وبنسبة 100 % لمرحلة ما بعد النفط (30 سنة)، (لا تعتبر الأرقام الموضحة نهائية إنما تعبر عن نظرة تقريبية وتصورية).

مما سبق تتضح الحاجة الماسة لتأسيس واستكمال عناصر إدارة مركز سلالات دولة الإمارات؛ وذلك وفقاً لأرضية استراتيجية وخطوط عالمية واضحة؛ مع أهمية بناء منظومة مؤشرات ورؤية استشرافية قائمة على واقع دولة الإمارات.