السلالات المحلية الإماراتية من الهواية إلى استشراف مستقبلي داعم لاستدامة الغذاء


?

في سنة 2002 بدأنا حصر السلالات المحلية وكان ينتابنا خوف كبير من انقراض بعضها، بالإضافة إلى عزوف المربين عن هذه السلالات إلى سلالات أجنبية أخرى، أيضاً كنا نتوقع تدخل الجهات المعنية لإنجاد هذا الوضع الخطير، والذي لم نره في دول ذات إمكانيات متواضعة إذا ما قورنت بدولة الإمارات

 

الحفاظ علي الهوية الإماراتية

ولكن نحن اليوم في 2015 نرى تغيراً كبيراً لدى وعي وسلوك المربين، فالمربون اليوم لديهم هلع غريب في الحفاظ على السلالة المحلية، ولكن «إذا علم السبب بطل العجب»، وللأسف لا نعلم جلياً ما هو السبب! وهذه في حد ذاتها مشكلة، وليس بأيدينا إلا تحليلات بدهية ولم نجد سوى سبب وحيد عام وهو توجه دولة الإمارات في «الحفاظ على الهوية الوطنية» وهناك أسباب أخرى بحاجة للمزيد من البحث العلمي الدقيق.أعود لأصف الوضعية الإجمالية للسلالات بدولة الإمارات بأنها نوع من الهلع والإقبال الكبير على نقاوة جميع السلالات، إن كانت أجنبية أو محلية، وهذه إيجابية كبيرة في توجهات المربين، وقد أرجع ذلك لسبب رئيسي وهو انتشار وتنافس المزادات في جميع أنحاء الدولة، أيضاً بدأت عملية النقاش في ما هو نقي وغير نقي، وبدأت تحليلات واجتهادات كثيرة ومتنوعة للحديث عن تصنيف السلالات ما بين مؤيد ومعارض، فمنهم من يجذب الرأي نحو المنطق، ومنهم من يجذب الرأي نحو مصلحة بيع سلالاته، بحيث يصنفها بتصنيف متوائم مع سوق السلالات الرائج، كل ما يحدث اليوم عبارة عن مساحة رمادية وقد كانت سوداء، ولم يتم إلى اليوم مناقشة الدائرة البيضاء وهي تعبير عن السؤال؛ «ما هو استشرافنا لسلالات دولة الإمارات في المستقبل المتوسط والبعيد؟»، وهذا المقال يجيب عن هذا التساؤل أو يضع افتراضات ذكية وبعيدة المدى تنقل هذه السلالات من مجرد الهواية والشغف إلى مرحلة المساهمة الكبيرة في الأمن الغذائي لدولة الإمارات.. ولعلي أتمثل في هذه اللحظة مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، «ماذا بعد خروج آخر برميل من النفط؟».

معلومات حرجة

الحاجة إلى الحفاظ على السلالات بشقيها، في مراكز علمية ولدى المربين باتت حاجة ملحة جداً، حيث دعت المنظمات العالمية الدول إلى الاعتماد على مواردها (سلالاتها) المحلية، فالسلالات الأجنبية لا تحقق الاستدامة والأمن الغذائي لأي بلد! ، أضف إلى أنها أكدت الاعتماد على مواردها (سلالاتها) المحلية وليس الأجنبية، وبلا شك أن السلالات المحلية (كنقطة بداية لتحسين الثروة الحيوانية)؛ هي المخرج الحقيقي والجوهري لأزمة استيراد الدولة غير المحدود للماعز والضأن، فهي تستورد ما يقرب من 2 مليون رأس سنوياً (راجع إحصائيات سنة 2006).

كما يغفل الكثير منا عن حقيقة هامة، وهي أنه ليست الحيوانات البرية مهددة بالانقراض فقط، بل إن السلالات الإنتاجية المستأنسة معرضة لنفس المشكلة، فإنه ينقرض في العالم بمعدل سلالتين مزرعية لكل أسبوع، وهناك 1350 سلالة مهددة بالانقراض.

وإنه خلال الخمس عشرة سنة الماضية انقرضت 300 سلالة من أصل 6000 سلالة سبقت أن حددتها منظمة الغذاء والزراعة العالمية FAO، وإذا ما علمنا ذلك فإن هناك 20 ألف حيازة ومربّ بانتظار تحسين سلالاتهم المحلية بدولة الإمارات عاجلاً أم آجلاً

السلالات الأجنبية

السلالات الأجنبية مجهولة الحالة الصحية وذات المورثات «الجينات» الملوثة تتنقل اليوم بحرية تامة في الدولة، والكثير منها ينتشر في مزارع المربين، مما يثير لدينا مخاوف من انتشار الأمراض الخطيرة أو على الأقل فقد الإدارة الجيدة للأمراض الحيوانية، والأهم من كل ذلك فقدان ميزة الجينات المحلية، مما سبق نستنتج أن السلالات المحسنة تعد مساهماً محورياً في الأمن الغذائي للدولة، فهي تمثل المخزون الوراثي الاستراتيجي للجينات الإنتاجية المتميزة.

قدمت المنظمة العربية للتنمية الزراعية دراسة هامة عن الماعز في الوطن العربي (1993م) ترمي إلى تحقيق النهوض بالثروة الحيوانية، حيث أوضحت أهم العراقيل التي تواجه السلالات ومنها الاستيراد من الخارج دون أي سياسة مدروسة تحافظ على المربين المحليين، ووجود مشكلة الفجوة الإرشادية بين الجهات الأكاديمية والمربين مما أضعف تطوير السلالة، فأصبحت الأبحاث العلمية غير مقابلة لحاجة الميدان الفعلية وغياب الخطط القومية (وهذه الدراسة تعبير عما ذكر في هذه النقطة) وعدم صرف ميزانية معتبرة للبحوث العلمية».

المرحلة القادمة

المرحلة القادمة عبارة عن وضع خطة إدارية وفنية عشرية، هناك الكثير من التصورات المستقبلية والمشاريع التي يمكن أن تطرح، ولكن نضع أهمها هنا وتتمثل في 3 جوانب «مركز السلالات» و«الغابات العلفية» وتصورات «للحيازة الحيوانية المثالية».

مركز السلالات المحلية

سيتبنى استراتيجيات التحسين الوراثي والتي تقوم على

  • الجانب الفني «ضبط أهداف التحسين الوراثي».
  • الجانب التنظيمي «التشريعات وجمعيات المربين»

 

السر الحقيقي في نجاح هذين الجانبين يكمن في العنصر البشري (المربي – الفني – الإداري) وبدرجة اتحاد هذه العناصر الثلاثة في فريق عمل واحد؛ فإنه حتماً سنحقق سلالات محلية متفوقة، وتتمثل رسالة المركز في «الحفاظ على السلالات المحلية وتحسينها؛ بطرق علمية ونشر غايات مركز السلالات كثقافة وممارسة لدى قطعان النخبة ومجتمع المربين عامة؛ وذلك من خلال كادر وطني تخصصي وتسويق وإرشاد فعال لتنمية السلالات عن طريق الوسائل الإرشادية الحيوانية الحديثة وباستخدام التسويق الإلكتروني..»، وتتمثل رؤية المركز في «سلالات محلية تنافسية بإدارة إماراتية تخصصية؛ قادرة على إدارة وتلبية الاحتياجات الغذائية من المنتجات الحيوانية لتحقيق مشاركة عالية للأمن الغذائي؛ تحت الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية لدولة الإمارات..»، وتتمحور أهم قيم المركز في «الحفاظ والنقاوة، التحسين والتنمية المستدامة، إدارة إماراتية»، وسيعطي المركز أهمية أولى للأبقار المحلية في دولة الإمارات من حيث الحفاظ لتهددها بالانقراض، والأهمية الثانية تأتي للماعز والضأن من حيث الحفاظ والتطوير، ثم الدواجن المحلية؛ أما الإبل فإنها تحت نظام حفاظ متميز، وذلك لمنع دخول سلالات الإبل غير المحلية للدولة، ولمركز سلالات دولة الإمارات
مردود معنوي على الناتج المحلي، حيث دلت الحسابات الأساسية التي قمنا بها أن تحسين القطعان في الدولة بنسبة 30%، سيؤدي إلى رفع الإنتاج من 187 إلى 374 ألف رأس سنوياً، وبافتراض قيمة الرأس 500 درهم, فإن الدخل المحلي للقطعان سيساوي (93) مليون درهم، وإذا حسن القطيع المحلي بنسبة 100% فإن الدخل سيساوي (311) مليون درهم، وبنيت هذه الأرقام على مؤشرات رقمية استراتيجية تمثلت في تطوير سلالة الضأن بمعدل نمو يومي للحملان 300 جم/ يوم خلال أول 3 أشهر من العمر «الفطام»، إنتاج 600 مل من الحليب/ يوم ، وتوأمية 1.4 «ولادة 140 مولوداً لكل 100 أنثى»، وللماعز يهدف المركز إلى تحقيق معدل نمو يومي للحملان 250 جم/ يوم خلال أول 3 أشهر من العمر «الفطام»، إنتاج 1000 مل من الحليب/ يوم، وتوأمية 1.4 «ولادة 140 مولوداً لكل 100 أنثى»، وللأبقار يهدف المركز لتحقيق معدل نمو يومي للعجول 500 جم/ يوم خلال أول 3 أشهر من العمر «الفطام»، إنتاج 15 كجم من الحليب/ يوم.

الغابات العلفية

وهي عبارة عن غابات من الأشجار المحلية ذات القيمة العلفية الكبيرة، وتتصف بالكفاءة العالية من حيث استهلاك المياه بحيث تكون في السنة العاشرة «صفرية الاستهلاك» هذه الغابات يمكن تسميتها «بأحزمة الغابات العلفية»، وتغطي كلياً الاحتياج من الأعلاف مقابل القطيع المحلي؛ ناهيك عن فوائدها المستدامة والمتنوعة والمتمثلة في قيمتها البيئية والزراعية والطبية وكذلك الصناعية، عموماً هذه الغابات لها صفة التناغم والانسجام الكبيرة مع السلالات المحلية، ولعلنا نبسط هذا الموضوع في مقال منفصل يشرح تفاصيل أخرى يرتبط بجدوى المشروع بمؤشرات رقمية دقيقة.

الحيازة الحيوانية المثالية

وهي «الوحدة الإنتاجية النموذجية» لحيازة المربي وهي تعبير عن رؤية إنتاجية مصغرة لشكل الحيازة الحيوانية (كماً ونوعاً) بعد 10 سنوات، إن شاء الله، ولتحقيق جميع ما ذكر سابقاً من مواصفات إنتاجية للقطيع المحلي لا بد من التركيز على البنية الأساسية لهذا القطيع وهي «الحيازة الحيوانية المثالية» ويتمثل هذا النموذج في أن كل مربّ يمتلك: 20 رأساً محلياً نقياً و100 رأس محلي محسن، الأنثى المحسنة تنتج؛ 2 كجم من الحليب لكل يوم ومعدل نمو الصغير 300 جم/ يوم مربى بسلالات محلية نقية وأخرى مهجنة بتهجين علمي وواضحة النسل والإنتاجية، هذه التركيبة ستحافظ على السمات المحلية للسلالة، بالإضافة إلى تحقيق طفرة إنتاجية تعود على المربي والدولة بالاستفادة القصوى من السلالات المحلية، لا يلزم أن تكون الأعداد الموضحة بتلك الدقة ولكنها تعبير عن مؤشرات هامة وموجهات للمؤسسات الزراعية في ما يخص بناء استراتيجية واعدة ومستدامة.