سعادة محمد بن عبيد المزروعي رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي في حوار مع مجلة «مزارع


Mazaare

لا أحد ينكر وجود فجوة غذائية يعاني منها أغلب دول العالم.. بل إن مفهوم الاكتفاء الذاتي لكل دولة على حدة هو أمر يصعب الوصول إليه.. لذا كان سعي دولة الإمارات في ظل قيادتنا الرشيدة لتحقيق منظومة الأمن الغذائي لا يقتصر فقط على البعد الداخلي.. بل امتد ليشمل محيطنا العربي.. فقدمت دولتنا العديد من المبادرات لاستحداث برامج مبتكرة لدعم الدول العربية في المجال الزراعي.. ومن أبرز تلك المبادرات المساهمة في رأسمال الهيئة العربية للإنماء والاستثمار الزراعي.. حتى أصبحت دولة الإمارات من أكبر خمس دول عربية إسهاماً في ميزانية تلك الهيئة.

وبمناسبة مرور 40 عاماً على إنشاء الهيئة.. كان لنا هذا اللقاء مع سعادة محمد بن عبيد المزروعي رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي بمقر المكتب الإقليمي للهيئة في دبي، واستهل سعادته الحديث.. قائلاً:

تسعى الهيئة لتهيئة المناخ الاستثماري المناسب في القطاع الزراعي لجذب الاستثمارات الزراعية والصناعات القائمة عليها في الدول العربية الغنية بالموارد الطبيعية المهمة كوفرة الأراضي القابلة للزراعة ومياه الري والعوامل البشرية وغيرها من العوامل التي تلعب دوراً مهماً في عمليات التوسع الإنتاجي، وبالاستغلال الأمثل لتنمية تلك الموارد بفاعلية، يمكن تعزيز الأمن الغذائي في الوطن العربي وتوفير احتياجات الغذاء الأساسية لشعوب الدول العربية.

مؤسسة مالية عربية ودولية

وللتعريف بالهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي قال: هي مؤسسة مالية عربية ذات شخصية قانونية اعتبارية ودولية مستقلة، تأسست في عام 1976 برأسمال مصرح به يبلغ 1.098 مليار دولار أمريكي والمدفوع منه 606 ملايين دولار أمريكي، المقر الرئيسي للهيئة بجمهورية السودان، ولدينا مكتب إقليمي بدبي -دولة الإمارات العربية، تساهم في الهيئة 21 دولة عربية بنسب متفاوتة في رأس المال، وهنالك خمس دول تعتبر من أكبر المساهمين وهي: المملكة العربية السعودية، دولة الكويت، دولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية العراق، جمهورية السودان.

تعزيز الأمن الغذائي

وعن الأساليب التي تتبعها الهيئة لتعزيز الأمن الغذائي العربي قال سعادة المزروعي:

تسعى الهيئة لأن تكون رائدة في تعزيز الأمن الغذائي في الوطن العربي، تساهم في توفير احتياجات الغذاء الأساسية لشعوب الدول العربية باستثمار وتنمية الموارد الزراعية فيها من خلال تعظيم العائد على استثمارات الهيئة في المجال الزراعي، ورفع فعالية وكفاءة الإنتاج الزراعي، وزيادة تبادل المنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي بين الدول الأعضاء، للوصول إلى التنمية المستدامة للموارد الزراعية في تلك الدول، والاستثمار في رأس المال البشري والاستغلال الأمثل للموارد.

توجهات استراتيجية

وفيما يخص طبيعة نشاط الهيئة والتوجهات الاستراتيجية لها.. أوضح:

إن نشاط الهيئة الاستثمار في كافة صور الإنتاج الزراعي والأعمال المرتبطة به والمتفرعة عنه، وبوجه خاص تأسيس مشروعات الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني والتصنيع الغذائي ونقل وتسويق المنتجات الزراعية والحاصلات الزراعية ومستلزمات الإنتاج، هذا بالإضافة إلى الأنشطة الإنمائية الأخرى المكملة لنشاطها الاستثماري.

أما بالنسبة للتوجهات الاستراتيجية للهيئة، فإننا ندرك أهمية المرحلة الراهنة والمستقبلية وما تواجهه المنطقة العربية من نقص في السلع الغذائية، وفي سبيل مواجهة التحديات التي تواجه البلدان العربية، أعدت الهيئة خطة استراتيجية للفترة من 2014-2018 تهدف إلى تفعيل دور الهيئة وتوفير أكبر قدر من السلع الغذائية الأساسية للحد من اتساع حجم الفجوة الغذائية العربية.

وأهم موجهات هذه الخطة:

– توزيع استثمارات الهيئة الزراعية جغرافياً بهدف توظيف الموارد الزراعية فى كافة الدول الأعضاء، واستغلال الميزة النسبية لتوزيع الموارد الطبيعية.

– تطوير معايير اختيار المشروعات الزراعية التي تساهم بها الهيئة بما يحقق الأهداف المنشودة.

– هيكلة الشركات القائمة التي تساهم فيها الهيئة بهدف زيادة إنتاجيتها بالاستفادة من كامل طاقاتها الإنتاجية لتعظيم عائداتها.

– تكثيف الأبحاث التطبيقية والبرامج الإنمائية الرامية لزيادة الإنتاج لدى صغار ومتوسطي المزارعين والمنتجين ونشر وتوطين التقانات الزراعية الحديثة بالوطن العربي.

– اعتماد سياسات استثمارية محفزة للقطاع الخاص تمكن من استغلال الموارد المتاحة في مشروعات جديدة مجزية.

واستكمالاً لحوارنا مع سعادة محمد بن عبيد المزروعي رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي.. فقد توجهنا إليه بالأسئلة التالية:

* هل من الممكن إلقاء الضوء على واقع القطاع الزراعي العربي عامة، وفي الإمارات خاصة؟

تنوع مناخي وموارد طبيعية متباينة

معظم الدول العربية تزخر بموارد طبيعية متنوعة وتتباين فيها البيئات المناخية من حيث ترامي أطرافها في القارتين الإفريقية والآسيوية، ويعتبر هذا التنوع من أبرز الخصائص في المنطقة العربية ويوفر تنوعاً بيولوجياً بشقيه النباتي والحيواني.

وبالرغم من ذلك ففي عالمنا العربي نجد أن هنالك ضعفاً في الإنتاج الزراعي، ويعتبر هذا القطاع من أكثر القطاعات فقراً في مخصصاته الاستثمارية والجهود البحثية للتطوير ومشروعات البنية التحتية والخدمات والامتيازات وعناصر الجذب المناسبة للاستثمار في المشروعات الزراعية، بالمقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، مما يقلل من نصيب القطاع الزراعي من حيث الأهمية النسبية في الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية الزراعية، وينعكس ذلك بالآثار السلبية على أوضاع الأمن الغذائي العربي.

أما فيما يتعلق بدولة الإمارات ودول الخليج العربي عموماً فليس بمقدورها تغطية كل احتياجاتها الغذائية ذاتياً بنسبة كبيرة، بسبب ندرة الموارد الزراعية والمائية والظروف المناخية غير الملائمة لمجموعة كبيرة من المحاصيل، لذلك فإن دولة الإمارات تتجه للاستثمار الزراعي في الدول العربية ذات المزايا النسبية التي توفر الأراضي الخصبة والمياه العذبة لتلبية احتياجاتها وتأمين استمرار الإمداد الغذائي وجودته وكلفته.

هذا بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم للمراكز البحثية الزراعية لتطويع التقانات الزراعية الحديثة لزراعة بعض المحاصيل في البيئات المناخية بدول الخليج، لإقامة مشاريع زراعية تؤمن الحد الأدنى من المواد الغذائية، باستخدام تقانة الزراعة بدون تربة، والزراعة بدون ماء، والتقنيات الزراعية الأخرى.

استثمارات زراعية في 12 دولة عربية

* ما دور الهيئة في تعزيز الأمن الغذائي للعالم العربي ودولة الإمارات؟

هنالك تنوع في مشاريع الهيئة، لأنها تعتمد على توزيع المزايا النسبية بالبلدان العربية، وبذلك تتعدد فئات المشاريع التي تساهم فيها الهيئة، وتمثل استثمارات الهيئة في هذه الشركات ما نسبته 94% من رأسمالها المدفوع البالغ 566 مليون دولار  والذي يمثل 1% من مقدار حجم الفجوة الغذائية العربية المقدرة بنحو 40 مليار دولار.

ويبلغ عدد الشركات الزراعية التي تساهم فيها الهيئة لتعزيز الأمن الغذائي نحو 40 شركة بإجمالي أصول تقدر بنحو 4.2 مليار دولار أمريكي، وتتوزع هذه الشركات في 12 دولة عربية، وتشمل هذه الاستثمارات أربعة قطاعات رئيسية، هي قطاع التصنيع الزراعي بنسبة 52% ويشمل تصنيع السكر والزيوت والصناعات الغذائية الأخرى، قطاع الإنتاج النباتي بنسبة 24% ويشمل إنتاج الحبوب والأعلاف والخضراوات والفاكهة، وقطاع الإنتاج الحيوانــي بنسبة 19% ويشمل منتجات الدواجن واللحوم البيضاء والحمراء والألبان، وقطاع الخدمات بنسبة 5% ويشمل تقديم الخدمات الزراعية المختلفة.

 مشروعات ناجحة

* وماذا عن آفاق التعاون بين الهيئة والجهات المعنية بالاستثمار الزراعي في الإمارات؟

يبلغ إجمالي استثمارات الهيئة بدولة الإمارات 110 ملايين دولار أمريكي في العديد من المشروعات، ومثال على ذلك المساهمة في مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة الخاصة لاستحداث برامج مبتكرة لدعم الدول العربية وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة من خلال تقديم مجموعة من المقترحات والمشاريع في المجال الزراعي.

وفيما يخص المساهمة في تأسيس الشركات.. فقد ساهمت الهيئة في تأسيس كل من شركة روابي الإمارات، والتي تتكون من شركة الروابي للألبان وتساهم بنسبة 33% من الطلب على الألبان، وشركة الإمارات الحديثة للدواجن (الوطنية) وتساهم بنسبة 27% من الطلب على لحوم الدواجن، وشركة قرين فيلد لإنتاج الأعلاف وتساهم بنسبة مقدرة من إنتاج الأعلاف داخل الإمارات وخارجها، وكذلك الشركة العربية لإنتاج المحاصيل والأعلاف بجمهورية السودان بالشراكة مع شركة روابي الإمارات، والشركة العربية لتصنيع معدات الدواجن والماشية بالفجيرة.

التصنيع الزراعي قطاع واعد في الإمارات

* وماذا عن فرص الاستثمار  المحتملة في الدولة؟

حالياً تدرس الهيئة مجموعة من الفرص الاستثمارية بدولة الإمارات منها: مشروع إنتاج وتصنيع اللحوم الحمراء، مشروع لتصنيع منتجات مستخلصة من الطحالب، مشروع مجمع صناعي للمنتجات السمكية، ومشروع بحثي حول تصنيع حليب الإبل وتوطين أغنام العواسي بالتعاون مع جامعة الإمارات.

وقد شجعنا على ذلك التطور الذي شهده قطاع الزراعة في دول الخليج خلال العقدين الماضيين، وذلك بناء على نتائج التجارب البحثية وزيادة الاستثمارات الخليجية في الدول العربية الأخرى ذات الميزة النسبية في الموارد الطبيعية.

ويمكننا القول أن التصنيع الزراعي بدول الخليج يعتبر قطاعاً واعداً وتتوفر به فرص استثمارية متعددة على الرغم من أن معظم مدخلاته تعتمد على الاستيراد من الخارج، ويرجع ذلك لمجموعة من المزايا في دولة الإمارات ودول الخليج، فعلى سبيل المثال: وجود المناخ الاستثماري الجاذب كالاستقرار الاقتصادي والتشريعات والقوانين التي تمنح العديد من الامتيازات للمشروعات الزراعية، ووجود قطاع خاص ذي قدرة مالية ومبادر، وتوفر البنيات التحتية الأساسية كالطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه ونظم المعلومات، وإدخال التقانات الحديثة مثل أنظمة الري بالتنقيط والري المحور والزراعة المائية (الهايدروبونك)، والتي أحدثت طفرة كبيرة في مجال الإنتاج الزراعي خاصة الخضراوات، والتطور في مجال التصنيع الغذائي كتصنيع اللحوم البيضاء (الدواجن والأسماك) وتصنيع الألبان والسكر والدقيق ومنتجاته.

62 مشروعاً جديداً للاستثمار الزراعي

* كيف يمكن أن تتولد القناعة لدى المستثمر الإماراتي للدخول كشريك مع الهيئة، وهل يتوافر لديكم حصر وتصنيف للفرص الاستثمارية المتاحة بشركات الهيئة؟

هنالك مجال واسع للاستثمار في مختلف القطاعات المترتبطة بالإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي، والاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية في الوطن العربي.

فالهيئة تعمل على ترويج العديد من المشروعات الزراعية الهامة لإنتاج السلع الأساسية في الفجوة الغذائية، ونحن على تواصل دائم مع المستثمرين من القطاع الخاص وحكومات الدول العربية، ويتم التنسيق وترويج الفرص الاستثمارية المتاحة، والتي يبلغ عددها 62 مشروعاً زراعياً من خلال الموقع الإلكتروني للهيئة،  وبإقامة المؤتمرات والملتقيات الاستثمارية، والتي كان آخرها  تنظيم المؤتمر العربي الثالث للاستثمار الزراعي في شهر فبراير 2017، والذي احتوى على مجموعة كبيرة جداً من الفرص الاستثمارية في المجال الزراعي من مختلف البلدان العربية.

خدمات لصغار المزارعين والمربين

* تقدم الهيئة خدمات زراعية لشريحة صغار المزارعين في العديد من الدول -من خلال الشركة العربية للخدمات الزراعية- فما هي تلك الخدمات، وكيف يستفيد منها المزارع في دولة الإمارات؟

تولي الهيئة اهتماماً كبيراً لشريحة صغار المزارعين والمنتجين، لأنها تساهم بأكثر من 70% في الإنتاج الزراعي في الدول العربية، ولقد قامت الهيئة بإنشاء صندوق تمويل مخصص لصغار المزارعين والمنتجين برأسمال قدره 100 مليون دولار تساهم فيه الهيئة بـ10 ملايين دولار لمساعدتهم على توفير مدخلات الإنتاج وخدمات التسويق، وصندوق آخر لمحاربة الفقر وتمليك وسائل الإنتاج للشرائح الفقيرة في المناطق الزراعية.

كما تم تأسيس شركة للخدمات الزراعية بكل من السودان وموريتانيا تقدم كافة الخدمات الزراعية لصغار المنتجين.. وتشمل خدمات تحضير الأرض وخدمات الزراعة ورش الأسمدة والمبيدات والحصاد، كما تقدم خدمات إرشادية للمزارعين ونشر وتطبيق التقانات الزراعية الحديثة.

وحالياً في دولة الإمارات قامت الهيئة بالتعاون مع الإيفاد والجهات المعنية بدولة الإمارات بإعداد دراسة حول أصحاب الحيازات الصغيرة، وذلك بالتركيز على قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والثروة الحيوانية.

المفاضلة بين المشاريع الاستثمارية

* ما المعايير التي تتبعها الهيئة لتحديد مدى مساهمتها في المشروعات الزراعية المختلفة؟

المفاضلة بين المشاريع الاستثمارية يكون على أساس الميزة النسبية لتوفر الموارد الطبيعية، وتطبيق الحزم التقنية المتكاملة والملائمة في كافة العمليات الزراعية والتصنيعية، ويكون اختيار الشركاء على أساس الخبرة والمقدرة الإدارية والفنية والمالية والالتزام بمؤسسية العمل، كما تفضل الهيئة المساهمة في المشروعات الكبيرة ذات البعد الاستراتيجي والتأثير المباشر في تقليص حجم الفجوة الغذائية، وتحقيق التكامل الزراعي والتبادل التجاري، وتعطي الأولوية للمشروعات التي تساهم في إنتاج السلع الأساسية كالحبوب وخاصة القمح، الزيوت النباتية، اللحوم وزراعة الأعلاف. والألبان ومنتجاتها، والسكر، ويجب ألا يقل حجم التكلفة الاستثمارية للمشروع عن 5 ملايين دولار كحد أدنى.

هدر الغذاء.. تبديد للموارد

* وماذا عن دوركم في الحد من هدر وفاقد الغذاء.. عربياً ومحلياً؟

يقدر الفاقد المهدر من الغذاء في الوطن العربي بما يتراوح بين 26 و31% من الحبوب و41% من اللحوم ومنتجات الألبان، و51% من منتجات الأسماك، و61% من الفواكه والخضراوات، مما يشكل تبديداً رئيسياً للموارد، وجاء بتقرير منظمة الفاو أن الوطن العربي يهدر أكثر من 27 مليون طن من القمح كل عام، تقدر قيمتها بأكثر من ستة مليارات دولار أمريكي.

ومن أهم أسباب الفاقد من الغذاء الإسراف والأنماط الاستهلاكية الخاطئة، ولذلك تسعى الهيئة إلى زيادة عدد مشروعات التصنيع الغذائية والتخزين وخدمات التسويق لنقل السلع الزراعية، بالإضافة إلى التوعية بخطورة هذه الأنماط من خلال المؤتمرات والندوات، ونظام الحوافز للمبادرات التي تقلل من الفاقد والاستفادة من المخلفات.

هذا بالإضافة إلى ترشيد استخدام المياه، لأن المنطقة العربية تحتوي على أقل من 7% من مخزون المياه العالمي، ولذلك قامت الهيئة بتأسيس شركة لمعدات الري الحديثة (ماي) ونشر وتطبيق تقنيات الري الحديثة بالمشاريع الزراعية كمنظومات الري بالتنقيط والرش.