40 مليون غافة والعلف الحيواني بدولة الإمارات


صورة جوية للغابات في وسط الصحراء بإمارة أبوظبي

م. سعيد خليفة الشعالي

مقدمة  

لانزال نتغنى بهذه الشجرة كشجرة وطنية والمثال الأخضر للهوية الإماراتية؛ ولكن موضوعياً لا يوجد تحرك حقيقي لاستثمارها مقابل طاقتها الإنتاجية المتميزة وعناصرها الغذائية والدوائية الهامة؛ وبالإضافة إلى حاجتنا لأن نضع لها صورة استشرافية واضحة تتلاءم مع قدراتها الكبيرة كمورد محلي متفرد، هذا المقال يغطي مساحة فكرية لم تطرح بعد؛ أو مبعثرة في بعض الأوراق العلمية، أو في أذهان وآمال الكثير من المهتمين بتأمين الغذاء للثروة الحيوانية والأمن الغذائي للدولة، مع ذلك فإن الجهود مركزة لعلاج مشكلات آنية ولم نجد بعد نموذجاً للتفكير الاستراتيجي، بل الاستشرافي بعيد المدى لهذه الشجرة، مع ذلك فإن لفكرة هذا المقال مساحات إبداعية واسعة ننتظر من المهتمين تزويدها بالأفكار الداعمة، وعلى متخذي القرار استثمار هذه الفكرة في حالتين مختلفتين وهما؛ هل الـ 40 مليون غافة سيتم استثمارها في عمليات داعمة للثروة الحيوانية، أم ستختزن لظروف طارئة؟ وكلا المحورين له اعتبار إداري مختلف.

كلما تكلمت عن الغاف Prosopis cineraria ؛ فإنني أتكلم تبادلياً لشجرتين أخريين وهما السدر والسمر، حيث يناسب السمرة أن تزرع في مناطق السهول المحاذية للجبال، ويناسب السدرة أن تتمازج بنسبة 25% مع الغاف.

يتكون هذا المقال من جزأين؛ الأول هو «استنتاجات رقمية للغابات العلفية خلال 20 سنة من الآن»، والجزء الثاني «يبني استشرافات متعددة لمنافع هذه الغابات».

يضع هذا المقترح بعداً آخر لمشكلة قد تصادفنا في المستقبل القريب وهي «نقص الغذاء الاستراتيجي»، المقترح يضع تحليلات ذكية ورقمية ويبرز دور «الموارد المحلية» العلفية والحيوانية في تلبية الحاجة للغذاء المستقبلي.

شجرة الغاف عبارة عن شجرة بقولية (تعزز النيتروجين – التسميد بالتربة) وتمتد عروقها لأعماق كبيرة جداً، كما أنها تبلغ شكلها المستهدف (5 أمتار كارتفاع) بعد 5 سنوات؛ وعند هذا العمر أو قبله تعتبر صفرية الاستهلاك المائي، بالإضافة إلى أنها رحيمة بالبيئة وخاصة الموارد المائية، كما تعتبر مقاومة للملوحة بشكل كبير جداً، وهي من ألطف النباتات صيفاً، حيث ستجد برودة غريبة في ظلها مقارنة بالأشجار الأخرى، كما أن لها صفة جمالية غريبة حيث تزداد اخضراراً في حر القيظ، كما تعتبر شجرة الغاف عالماً بيئياً بذاته؛ حيث تعتبر وعناصرها الحية المحيطة من عشرات أو مئات الكائنات مزيجاً متناغماً بسلاسل غذائية مترابطة، كما أن الغافة تعتبر شجرة أليفة، فهي ترحب بالكائنات من حولها ويقل أو ينعدم بها آلية «الطرد الكيميائي».

خلفية عن الغابات بدولة الإمارات

أظهرت دراسة قيمة (طبقت على غابات إمارة أبوظبي) تفوقاً كبيراً للأنواع الحية من حيث الكثافة والتنوع وغزارة العناصر الغذائية بتربة الغاف مقارنة بتربة الصحراء المجاورة لها راجع (, 2005 & Ksiksi El-Keblawy).

وتعتبر إمارة أبوظبي رائداً في مجال نشر الغابات متمثلة في هيئة البيئة – أبوظبي؛ فهي تشرف على إدارة 208 من الغابات، وتنتشر هذه الغابات التي تبلغ مساحتها 195.063 هكتاراً، وهي تشكّل 2.9% من إجمالي مساحة الإمارة، وتضم هذه الغابات أكثر من 16 مليون شجرة.

أولاً- التقديرات الرقمية لغابات الغاف العلفية لتأمين الغذاء المستقبلي:

«الغابات العلفية» عبارة عن غابات من الأشجار المحلية ذات القيمة العلفية الكبيرة، وتتصف بالكفاءة العالية من حيث استهلاك المياه بحيث تكون في السنة العاشرة «صفرية الاستهلاك» هذه الغابات يمكن تسميتها «بأحزمة الغابات العلفية» وتغطي كلياً الاحتياج من الأعلاف مقابل القطيع المحلي؛ ناهيك عن فوائدها المستدامة والمتنوعة والمتمثلة في قيمتها البيئية والزراعية والطبية وكذلك الصناعية، عموماً هذه الغابات لها صفة التناغم والانسجام الكبيرة مع السلالات المحلية.

نضع هنا التصورات الرقمية لثلاثة محاور مترابطة؛ الغابات، الأغنام المنتجة، الإنسان (المستهلك)، سيتم شرح إنتاجية واستهلاك هذه العناصر في ترابط رقمي، أيضاً تعتمد الاعتبارات الرقمية للتراكيب الاستشرافية لهذا الطرح على ثلاثة جوانب أساسية:

1- تنتج شجرة الغاف 50 كجم سنوياً من الأعلاف (40 كجم أوراق و10 كجم من القرون).

2- يستهلك الرأس من الغنم 365 كجم سنوياً (بواقع 1 كجم لكل يوم)، كما ينتج كل رأس سنوياً 30 كجم من اللحم (تنتج أنثى الغنم رأساً واحداً سنوياً يزن 60 كجم ووزن التصافي 30 كجم من اللحم)، كما تنتج أنثى الغنم 350 كجم من الحليب لكل يوم (وذلك باعتبار أن الرأس ينتج 1.5 كجم لمدة 90 يوماً سنوياً).

3- يستهلك الفرد ما يقرب من 30 كجم من اللحوم الحمراء أو البيضاء سنوياً (راجع الاستهلاك العالمي وفقاً لـ FAOSTAT, 2011).

وباعتبار وجود زيادة سكانية 3% (وهو متوسط معدل النمو العالمي) وسنستخدم هنا النسبة من 3- 4% بغية وضع التوقعات القصوى للنمو؛ فإن عدد السكان الحالي للدولة (800 ألف تقريباً) ليصل بعد 20 سنة لعدد 1.4 مليون، وما سيتم مناقشته لهذه الدراسة هو العدد 2 مليون لتعداد السكان بالدولة مجازاً، نستنبط من هذا كله أن 8 أشجار من الغاف تكفي لتغذية رأس واحد من الغنم؛ والرأس من الغنم يكفي لتلبية احتياج شخص واحد، وبلا شك أننا لن نحتاج إلى الأغذية المثالية في حالة نقص الغذاء، لا سمح الله، ولكن المقصود من هذه الدراسة هو تحقيق الأغذية الأساسية، وبعد احتساب الأرقام الكلية توصلنا للنتيجة الكلية الآتية، وهي أن 17 مليون غافة تكفي لتأمين الغذاء لـ 2 مليون من السكان؛ وذلك من خلال 2 مليون من الأغنام المنتجة؛ وبذلك فإن 40 مليون غافة تلبي احتياج 4 ملايين نسمة خلال الـ 20 سنة المقبلة، والطرح أيضاً بحاجة إلى وضع توقعات لتزايد نسبة التوطين، والتي لم تتضح بعد من خلال دراسات دقيقة، وقد يظن البعض أن هذه الغابات ستكون عائقاً للتمدن، ولكن ذلك لن يتم بل ستتخلل هذه الأشجار المزارع والطرق العامة، وتتوسط المنازل في نسيج متناغم جداً مع هذه المظاهر جميعها، والمبشر أن الكلفة الحكومية لتأسيس هذه الغابات صفرية، حيث سيتكفل أو يتبرع كل مواطن منا بزراعة 50 غافة (800 ألف مواطن × 50 شتلة = 40 مليون غافة) ونترك لمؤسسات الإمارات الزراعية والبيئية تقرير طريقة إدارة هذا المشروع الوطني الرائد.

توزيع الأحزمة الخضراء على دولة الإمارات:

مجموع هذه الأحزمة هو 27؛ 9 طولية + 18 عرضية، بإجمالي 5000 كم؛ الأحزمة الطولية؛ 450 كم (3 أحزمة)؛ 350 كم (3 أحزمة)؛ 250 كم (3 أحزمة)، الأحزمة عرضية، 110 كم لكل حزام، التوزيع الموضح هو شكل تصوري عام ويمكن تضييق هذه المسافات وتوسيع عرض هذه الأحزمة لرفع عدد الغاف المزروع من 17 مليوناً إلى 40 مليوناً.

ghaf_tree_6

فكرة الحزام الأساسية

ghaf_tree_5

35 صفاً عرضياً من الأشجار، بمسافات بينية بين كل شجرة وأخرى (أو صف وآخر) تقدر بـ10 أمتار.

وستتمازج الأحزمة الخضراء مع الحيازات الحيوانية، فهي فكرة ابتكارية ومبسطة وتعطي سهولة في تناول وإيصال العلف الأخضر إلى القطعان.

ghaf_tree_4

مساحة محددة من الحزام وهي عبارة عن 1000م (1 كم) × 350م = 3500 شجرة؛ 100 شجرة × 35 صفاً، 3500 شجرة تكفي لإطعام 437 حيواناً؛ بالتالي سيتوزع على هذه المساحة 4 حيازات حيوانية بعدد 100 حيوان لكل حيازة، وتحت وحول هذه الغابات سننشر 3 أنواع من الأعشاب والشجيرات؛ وأهمها الرمرام والمرخ والليبد، ونخص بالذكر الرمرام Heliotropium Bacciferum كونه قرين نبات «الجت – البرسيم» من حيث المحتوى البروتيني العالي والعناصر الغذائية العالية، ولايزال هذا النبات الهام طي النسيان.

ghaf_tree_3

نبات الرمرام العلفي والمقترح أن يتداخل مع غابات الغاف Heliotropium Bacciferum

ثانياً- المجموعة الثانية من المنافع الاستشرافية لغابات الغاف:

اهتمامات ونماذج عالمية للغابات الزراعية:

يخضع هذا المجال للاسم السائد وهو «Agroforestry – الزراعة الغابية» وهو نهج آخذ بالازدياد في الكثير من دول العالم، راجع أشهر هذه الجهات؛ و هي http://www.worldagroforestrycentre.org  وAgroforestry – FAO (موقع منظمة الغذاء والزراعة العالمية)، وhttp://worldagroforestry.org/ ؛ سيجد القارئ الكريم عند تجواله في هذه المواقع أفكاراً علمية وتطبيقية كثيرة لتطوير مثل هذا المجال، كذلك سيجد تلاحماً كبيراً بين فكرة هذا المقال والأفكار المطروحة عالمياً.

ghaf_tree_1

موقع المركز العالمي للزراعة الغابية.

مركز أبحاث الغابات الزراعية:

المركز سمّي بهذا الاسم لأنه يشتمل على معظم العناصر الاستشرافية المراد استقصاؤها؛ إلا أن جانب «الأعلاف» سيحتل الأولوية كونه مرتبطاً بالأمن الغذائي مباشرة، وستحتاج الدولة حتماً إلى «مركز الإمارات للغابات الزراعية»، حيث إنه لا يمكن أن يبدأ هذا المشروع وينتشر دون وجود أبحاث داعمة تعطي بعداً دقيقاً للجانب الإنتاجي والاقتصادي، هذه الأبحاث تقصر المسير وتوجز تحقيق الأهداف وترفع دقة العمليات، يمكننا بناء مركز دائم أو مركز لا يتجاوز عمره عشر سنوات وله حزمة بحثية محددة مرتبطة بأهداف ومخرجات مشروع الغابات العلفية، بالإضافة إلى أهمية بناء مؤشرات أداء واضحة له، منبهين على أهمية الاستفادة من تجربة الهند؛ ويمكن عقد تعاون طويل الأمد مع الباحثين العاملين في مجال الغاف، وخاصة ما يتم تطبيقه في صحراء غار.

الغاف قد يثبط السرطان وصيدلية لم تكتشف بعد:

بعد انقطاعي لسنوات عن الاطلاع العميق في أحدث أبحاث الغاف، أخذتني الدهشة بوجود أوراق علمية اكتشفت عناصر مثبطة ومعالجة لأمراض كثيرة؛ حيث ذكر  (  Robertson et. al (2015؛ (Garg & Mitta (2013  أنه يعتمد على شجرة الغاف تقليدياً في بعض الدول لعلاج الكثير من الأمراض منها الجذام، والدوسنتاريا، والربو، وسوء الهضم، ووجع الأذن، بالإضافة إلى أمراض أخرى، كما تم عزل الكثير من المواد الهامة منها مثل المنشطات والمسكنات وخافضات الحرارة وخافضات سكر الدم، ومضادات الأكسدة وخافض كوليسترول الدم ومضاد للأورام (خاصة سرطان الجلد وسرطان المعدة) ومنشطات ذهنية، هذه النتائج مثار لبداية مشروع بحثي دوائي تختص به دولة الإمارات، ولا نستبعد أن تتحول هذه الشجرة من مجرد شجرة عادية إلى شجرة عالية في وحدتها الاقتصادية؛ حال اكتشاف مواد دوائية ذات قيمة عالية في السوق.

هل يمكن أن يكون الغاف مادة غذائية يومية أو شبه يومية أو منقذة في حالات الطوارئ؟

يعتبر كل من قرون الغاف (الحنبل) وأوراقها غذاء تقليدياً في صحراء غار بالهند (منطقة راجستان)، والأبحاث في هذا المجال قليلة جداً، وكانت بداياتها سنة 2012؛ وذلك من خلال الباحثين (LIU et. al, 2012)، وكما يعلم الجميع بأننا في الدولة نستهلك الأوراق فقط، ولكن هذا المجال مبحث هام لمعرفة كيف يمكننا أن نحول هذه الأجزاء (الأوراق، القرون) كغذاء أساسي أو داعم لغذائنا اليومي، وكما علم تاريخياً بأن الغاف بفضل الله كان مخزوناً غذائياً ومنجداً لمجاعات منطقة راجستان؛ وهذا يؤيد فكرتنا الاستشرافية، حيث إننا بحاجة إلى استخدام أجزائه من الآن في غذائنا بغية التجريب ومعرفة طريقة التعامل معه بشكل واضح، كذلك لا يختلف الحال عن جنوب أمريكا، حيث توجد شجرة الغاف أو قرينة الغاف؛ حيث تستخدم قرونها الجافة لصنع الدقيق (الخبز)، حيث تتميز بطعمها السكري اللذيذ، كما يمكن أن يخلط مطحون قرون الغاف مع دقيق القمح أو الشعير بنسبة محددة لتحقيق غذاء عالي البروتين، وكذلك عالي في العناصر الكيميائية الطبيعية، أكد هذا المفهوم أيضاً (Shruti Malik et. al,2013) وهو أن قرون الغاف يمكن استهلاكها كغذاء للإنسان وأشار إلى أنها تحتوي على عناصر غنية وواقية للأمراض، ونضيف أيضاً أن المساحات تحت الغاف تستخدم لزراعة المحاصيل وهذا شائع في بعض الدول.

الزراعة المائية «Hydroponic» والغابات الزراعية:

الزراعة المائية هي إحدى الزراعات الحديثة، والتي غالباً ما تكون ممارساتها كيميائية (غير عضوية)؛ لماذا لا تكون مخلفات وأجزاء محددة من هذه الغابات (وبالأخص الغاف) وسطاً زراعياً لإنتاج الخضراوات والأعلاف والمحاصيل المتنوعة، كما أن دراسة الماجستير لدي قامت على نفس النمط، حيث نجحت في الاستزراع في مطحون قرون الغاف (راجع:http://www.alittihad.ae/details.php?id=9515&y=2013).

وللغاف منافع أخرى هامة مثل؛ جودة فحم الغاف من حيث ارتفاع سعراته الحرارية، الغاف أيضاً منتج للعسل، وأشارت بعض الدراسات التجريبية إلى وجود مواد يمكن استخدامها كبدائل منخفضة التكلفة في معالجة مياه الصرف الصحي لإزالة الأصباغ (Garg et. al, 2004)، كما أننا نقترح تجريب الغاف تداخلياً مع ألواح الطاقة الشمسية كعلاج لمشكلة الأغبرة والأمر راجع أيضاً للبحث والتجريب.