بيع المياه الجوفية خطر يستنزف الثروة المائية للدولة


86b9bb57427a70b3cf51e27f3d10eac7

رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الجهات المعنية في الدولة لحماية الثروة البيئية، والتي تضمنت إقرارها حزمة من الآليات، كوقف زراعة علف الرودس، ودعم أصحاب المزارع، وتوفير أحدث الأجهزة المتطورة المستخدمة في مجالات ترشيد المياه، بهدف وقف استنزاف الثروة المائية، إلا أن بروز ظاهرة بيع المياه الجوفية في الآونة الأخيرة على الساحة الزراعية، أصبح يمثل أهم المعوقات التي تواجهها وزارة البيئة في سعيها الحثيث للحفاظ على الثروة المائية، والحد من المخالفات التي تستنزفها، في الدولة بشكل عام وفي المنطقة الزراعية في شمال الدولة وغربها بشكل خاص.

وطوال الفترة الماضية حرص القائمون على وزارة البيئة على تشكيل لجان مختصة لدراسة الوضع المائي للدولة، أوصت بعدد من التوصيات، منها ضرورة استيراد الأعلاف الزراعية من الخارج، حيث يشكل سعر الأعلاف من الخارج نحو 30% من كلفة زراعتها محلياً، الأمر الذي انعكس على ترشيد استخدام المياه بنحو 40%، مشيرة في الوقت نفسه إلى أهمية تشديد العقوبات في وجه أصحاب المزارع الذين يتاجرون بالمياه الجوفية.

 

المناطق الزراعية

وعلى الرغم من حرص القائمين على المناطق الزراعية في الدولة، على تبني مشاريع استثمارية ضخمة للنهوض بالعملية التنموية في تلك المناطق التي تتميز بأجواء جاذبة للسكان، إلا أن وجود فئة من الأشخاص من ذوي المطامع المادية أصبح إحدى أهم العقبات التي تواجه مسألة الحفاظ على الثروة المائية.

ومن جانب آخر، أفاد عبد الرب الحميري رئيس وحدة تصاريح المياه الجوفية في هيئة البيئة بأبوظبي، أنه يجري العمل على إعداد مراجعة شاملة لقانون 2006 الخاص بالمياه الجوفية في إمارة أبوظبي, يتضمن تغليظ العقوبات على المخالفين للقانون، سواء بالبيع غير المرخص أو النقل.

وأضاف: إن مسودة تعديلات القانون تهدف إلى رفع الحد الأدنى للمخالفة في حالة العودة إلى الضعف، للحد من المخالفات التي تستنزف المياه الجوفية التي تعد شحيحة في الدولة، حيث حذرت هيئة البيئة من أن موارد المياه الجوفية في الإمارة ستنضب بالكامل خلال فترة زمنية تقدر بحوالي 50 سنة، في حال استمر الاستهلاك الكلي للمياه مرتفعاً، وطالما بقي الطلب على المياه الجوفية أكثر مما يتوفر طبيعياً منها بحوالي 26 مرة. 

الآبار المرخصة

وقال إن عدد الآبار المرخصة في إمارة أبوظبي منذ إصدار القانون في 2006، بلغ نحو 15 ألف بئر، وفيما يخص الآبار الموجودة، سواء المرخصة أو غير المرخصة، هناك توقعات بأن يتجاوز عددها 100 ألف بئر منها 70 ألف بئر عاملة، و30 ألف بئر غير مستخدمة.

وأشار إلى أن مشروع حصر الآبار على مستوى الإمارة، والذي يستغرق تنفيذه 3 سنوات، سيعمل على حصر هذه الآبار وتوفير قاعدة بيانات شاملة حولها.

 

وقال إن ظاهرة بيع المياه الجوفية ظهرت في السنوات الأخيرة، وبشكل خاص في المنطقة الغربية، مع وجود النهضة العمرانية والصناعية في تلك المنطقة، الأمر الذي شجع بعض الأفراد ذوي المطامع المادية على اللجوء إلى بيع المياه الجوفية، سواء كان بسبب قلة الوعي أو عدم الاكتراث بالمسؤولية الوطنية تجاه مواردنا وثرواتنا الطبيعية، ومما زاد الوضع سوءاً هو وجود الطلب على المياه الجوفية؛ نظراً لاحتياجات بعض الشركات والمجمعات العمالية القائمة في المناطق النائية للمياه، مما أدى إلى استغلال تلك الفئة من أصحاب المزارع للآبار، حيث خصصت الدولة لهم تلك الموارد وائتمنتهم عليها، إلا أنهم لا يأبهون بتلك المسؤولية، ولم يحترموا القوانين واللوائح النافذة في الدولة، والتي تهدف إلى حماية تلك الموارد الثمينة.

 

وأشار إلى أن المياه الجوفية تعتبر ثروة وطنية هامة، ونحن في دولة ذات طبيعة صحراوية شحيحة الأمطار تفتقر إلى موارد المياه العذبة، ومما هو جدير بالذكر -وحسب آخر التقارير البيئية الصادرة من الهيئة- فإنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإن تلك الثروة ستنضب خلال الخمسين عاماً القادمة .

 

وأكد أن وجود كميات المياه التي تكفي حاجة المستهلكين، وخصوصاً من الشركات وبشكل خاص في المنطقة الغربية بأبوظبي، إضافة إلى وجود عقوبات مغلظة، إلى جانب التوعية بأهمية المياه الجوفية, كل ذلك سيسهم في الحد من المشكلة لهذا المصدر الهام من المياه الذي يعتبر غير متجدد، فالمياه الجوفية تعتبر ثروة قومية يجب أن تبقى معدلاتها في الحدود الآمنة، ولا يجب التساهل مع من يستنزفها بطرق غير شرعية.

ولفت أنه تم عقد عدة اجتماعات تنسيقية بين الهيئة والجهات المعنية، مثل شركة أبوظبي للتوزيع ليتم توفير كميات المياه اللازمة من مياه التحلية للجهات المستهلكة، وذلك لصد المخالفين من استغلال وجود نقص في المياه لدى تلك الجهات وبيع المياه الجوفية لهم.

ونوه أنه تم تغطية مناطق كبيرة بإمدادهم بالمياه المحلاة، وتم إزالة آبار مخالفة مع محطات تحلية، كانوا يستخدمونها داخل مزارعهم لتحلية المياه وبيعها بطرق غير شرعية، وأحالتهم للقضاء، وصدرت أحكام وأمر إزالة لتلك المحطات.

وأشار إلى دور ودعم الجهات المعنية في الإمارة مثل شركة أبوظبي للتوزيع التي قامت مشكورة بتوفير وسد حاجة جزء كبير من احتياجات الشركات والجهات في المنطقة الغربية من المياه، وتم زيادة إنتاجية بعض محطات نقاط التوزيع للمياه لسد الاحتياجات في تلك المناطق، مما أدى إلى تقليل الممارسات السلبية لظاهرة البيع غير القانوني للمياه الجوفية في المنطقة.

 

مخالفة للمواصفات

وقال إن بعض أصحاب المزارع الذين يستغلون آبارهم الجوفية داخل مزارعهم، والتي حدد القانون بأن يتم الاستفادة منها داخل حدود المزرعة نفسها, يقومون باستخراج هذه المياه من خلال محطات وتحليتها وبيعها بما يخالف القانون.

وأكد أن القانون ينص على أنه لا يجوز بيع المياه الجوفية، أو نقلها خارج حدود المزرعة المرخص لها، حيث إن هذه المياه لاستخدام المزرعة التي بها فقط.

وحذر الشركات والجهات التي قد تقدم على شراء هذه النوعية من المياه من هؤلاء المخالفين، من خطورة هذه المياه، لأنها غير آمنة على صحة الإنسان، ويتم استخراجها بمحطات ربما لا تطابق المواصفات المعتمدة، وبالتالي فإنها لا تطابق مواصفات مياه الشرب بسبب تعرضها للتلوث، وهو الأمر الذي يؤثر في صحة الإنسان.

وأشار إلى أن بعض أصحاب المزارع يلجؤون إلى تحلية المياه الجوفية المالحة بطريقة غير صحيحة، وذلك باستخدام محطات تحلية تنقي المياه من الأملاح والتخلص بطريقة غير صحيحة من هذه الأملاح شديدة التركيز، والتي قد تحتوي على مواد كيماوية، وقد تتسبب عند تسربها إلى أعماق الأرض في حدة ملوحة المياه الجوفية، وتلويثها إذا ما وصلت إلى الخزان الجوفي.

وأكد أن تلك المخالفات تعتبر فردية لبعض ضعاف النفوس الذين يستغلون مزارعهم، وما قدمته لهم الدولة، في تحقيق منافع مادية دون أن يكون لديهم أي حس تجاه تلك الثروة الهامة، وهي المياه، مشيراً إلى أن بعض المخالفين عندما ضبطوا وجدت فرق التفتيش أن مزارعهم خالية من أي نوع من المزروعات، ومحاطة بسور ويتم إخفاء محطات التحلية المخالفة لمنع اكتشافها من قبل الجهات الرقابية، وكل ذلك بهدف استخراج تلك المياه وبيعها، مستغلين حاجة بعض الجهات إلى هذه المياه. 

تكرار المخالفة

وكشف رئيس وحدة تصاريح المياه الجوفية، أن بعض المخالفين أعادوا تكرار المخالفة مرة أخرى، الأمر الذي يستدعي تغليظ العقوبات في القانون على هؤلاء المخالفين، مشيراً إلى أنه يتم حالياً تكثيف عمليات التفتيش، سواء على البائع أو الناقل لهذه المياه.

وقال إن مفتشي الهيئة لديهم صفة الضبطية القضائية، ونتعاون أحياناً مع الشرطة في حال الاحتياج إلى دعم لضبط المخالفين.

وأشار إلى أن هنالك مفتشين مدربين على تولي هذا النوع من التفتيش واكتشاف المخالفات، حيث يتضمن محضر الضبط تقريراً فنياً مدعماً بالصور والأدلة حول تلك المخالفات وطبيعتها، إضافة إلى تقرير حول المشكلة فيما يتعلق بشح المياه الجوفية.

ثروة وطنية

وأكد الحميري أن المياه الجوفية تعتبر ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها، وهي إرث قديم ومصدر أساسي للمياه منذ مئات السنين في الإمارات، وهيئة البيئة – أبوظبي أخذت على عاتقها تنظيم حفر الآبار بصدور القانون 2006 الذي عمل على تقنين تصاريح حفر المياه الجوفية، وبدأت الهيئة بإصدار التراخيص للآبار وتنظيم شركات الحفر وتصنيفها حسب إمكانيات الشركات.

وقال إن أحد أهم بنود القانون يستلزم إصدار تصاريح لحفر الآبار وصيانتها، كما تناول جوانب مخالفة هذه القوانين بإدراج عقوبات على من لا يلتزم ببنود القانون.

وأشار إلى أنه منذ 2006 وحتى اليوم تقوم الهيئة بدورها، سواء بإصدار التراخيص أو التفتيش على الآبار الموجودة والمخالفة جنباً إلى جنب مع قسم التوعية البيئية الذي يتولى توعية المجتمع بأهمية المياه الجوفية.

وقال إن أحد أهم المعوقات التي تواجهنا تمثلت في الآبار المحفورة قديماً قبل صدور القانون، حيث إن القانون ألزم كل من حفر بئراً قبل صدوره أن يسجل الآبار الموجودة لديه في الهيئة حتى يتم تسجيلها ليتفادى المخالفة.